فى تعليقه على حادثة "الضرب بالحذاء" التى تعرض لها من
قِبل مراسل تلفزيون عراقى قال الرئيس الأمريكى جورج بوش: "إن ذلك يحدث فى
المجتمعات التى تتمتع بالحرية والديمقراطية"..
ولم يكن من السهل فهم الأساس الذى بنى عليه الرئيس الأمريكى العلاقة بين
الحرية والديمقراطية من جهة وبين الضرب بالحذاء أمام كاميرات التلفزيون،
لكن بشىء من التأمل والنبش فى الماضى ربما أمكننا فهم نظرية بوش، والتى
كلفه التوصل إليها "فضيحة بجلاجل" لن تُمحى من سجله ولا من ذاكرة التاريخ
إلى الأبد..
ولفهم ذلك دعونا نتصور (مثلاً) أن حادثة الحذاء وقعت فى ظل حكم "صدام
حسين" للعراق، وكان هو المُستهدف بالحذاء وليس بوش، فهل كان "منتظر
الزيدى" أو غيره سيجروء على مجرد التفكير فى فعل كهذا ويعرض نفسه لأبشع
صنوف البطش؟؟..
ولنفرض أنه إستطاع أن يستجمع شجاعته، وأنه ترجم هذه الشجاعة إلى فعل مادى،
فهل كان الحرس الصدامى سيعطونه فرصة ليرفع يده بالحذاء نحو رئيسهم (الفردة
تلو الأخرى)؟؟.. آما كانوا سينهالون عليه بأسلحتهم فيمزقون جسده إلى أشلاء
حتى قبل أن يفارق الحذاء راحة يده؟؟
ولماذا نضع الفروض والتصورات بينما الواقع يشهد بذلك من خلال حوادث عديدة،
لعل أشهرها وأقربها إلى الذاكرة حادثة مقتل مواطن مصرى فى بورسعيد على يد
الحرس الرئاسى حينما اقترب إلى موكب الرئيس وبيده "شكوى" أراد أن يقدمها
للرئيس فدفع حياته ثمناً لذلك!!
والأمثلة كثيرة جدا، ومنها نستدل على الفارق الشاسع الذى أظهره حادث
الحذاء، وهو ما أشار إليه الرئيس بوش حينما تحدث عن الحرية والديمقراطية..
فالفاعل لم يُقتل فى التو واللحظة -دون مُحاكمة- كما يُفعل عادة فى
بلادنا، فى ظل نُظم حكم تستهين بأرواح البشر بينما ترفع الملوك والرؤساء
إلى مصاف الألهة!!..
ولعل ذلك ما يفسر لنا الضجة الكبيرة التى آثارها "حادث الحذاء"، كما يُفسر
لنا الفرحة الغامرة التى سادت بين العامة فى أغلب الدول العربية..
فهؤلاء المحرومون من الحرية والديمقراطية وأبسط حقوق المواطنة اعتبروا
-بشىء من السذاجة- أن هذه الإهانة الرمزية بمثابة "نصراً" عظيماً
لهم!!بينما هى فى الواقع مجرد "تنفيس" يعبر عن حالة الكبت التى يعيشها
هؤلاء، والإحباط الذى يعانون منه نتيجة الشعور بالفشل والإخفاق واليأس
والاستسلام المزمن فى ظل نُظم حكم "فاشية"..
وبدلاً من استخلاص العِبر والإستفادة من دروس الماضى والحاضر كما يحدث فى
العالم المتمدن، مع الأخذ بأسباب التقدم التى سار عليها الغرب فصارله
السَبق والغَلبة، تظل شعوبنا فريسة للأنظمة الإستبدادية، ولإعلامها الموجه
الذى تارة يُضخم توافه الأمور وتارة أخرى يُسفه ويُقلل من أهمية حوادث
كبيرة قد تعصف بسلام الوطن!!